حوار شعري مع نزار قباني

حوار شعري مع نزار قباني

من أنت يا نزار قباني ؟

أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي
لسـالَ منهُ عناقيـدٌ.. وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا



*************
_ انت كثير المفاخرة بدمشق حدثنا عن هذه المدينة وأهلها .

الفل يبدأ من دمشق بياضه
وبعطرها تتطيب الأطيابُ
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا
عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا

*************
_ يوجد الكثير من الإلحاد في شعرك مما يغضب القراء منك ألا تفكر في هذا الامر ؟

لاتغضبوا مني إذا غلب الهوى
إن الهوى في طبعه غلابُ
فذنوب شعري كلها مغفورةٌ
والله جل جلاله توابُ


**************

_ شاعرنا الكبير كتبت كثيرا وحزنت كثيرا مالذي كنت تحاول الوصول اليه في شعرك ؟

أحاول رسم مدينةِ حبٍ...
تكون مُحرّرةً من جميع العُقَدْ...
فلايذبحون الأنوثةَ فيها...ولايقمَعون الجَسَدْ


***************
_ هناك فئة قد عارضت شعرك ولم تقبل به . ماذا ترد عليهم ؟

أنا مع الحب حتى حين يقتلني
إذا تخليت عن عشقي .. فلست أنا

***************

_ نزار ماهي الأمنية الجميلة التي كنت تتمناها ؟ وماذا ستفعل لو تحققت ؟

لو كان حبي شجراً
لكنت غطيتُ وجه الأرض بالأشجار
لو كان حبي مطراً
أغرقت هذا الكونَ.. بالأمطار

***************

_ متى تكون مهيأ أكثر للكتابة والحب ؟

الشعر يأتي دائما مع المطر
و الحب لا يبدأ إلا عندما تبدأ موسيقى المطر

***************

_ في هذا الزمن صار الحب مصدر شك لنا جميعا وتحول الى مارد يزعج من يتفوه بكلمة عنه الا تعتقد أن هذا الاحساس هو بداية نهاية الحب ؟

لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ
لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ
لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ
حين يكون الحبُ كبيراً والمحبوبة قمراً.
لن يتحول هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ

***************
_ نزار قد دخلت سابقا مملكة الجن مالذي حدث لك هناك ؟

تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها
وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ

***************
_ الكل يشتاق الى حبيبته وملهمته أين تتخيل وجه حبيبتك عندما تفتقدها .؟

في الشجر العاري,في الأوراق اليابسة الصفراءْ
في الجو الماطر.. في الأنواءْ
في أصغر مقهى.. نشرب فيهِ.. مساءً..قهوتنا السوداءْ

****************

_ على ذكر الحبيب لقد ملأت الدنيا شعرا وتغزلا بهذا الحبيب ألا تخبرنا عن اسمه ؟

لا تسـألوني... ما اسمهُ حبيبي
أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ
والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ
تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ
لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري
تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ
ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي
في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ
في البحرِ، في تنفّسِ المراعي
وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ
في أدمعِ الشتاءِ حينَ يبكي
وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ

*****************
_ إذا كنت تحبه بهذا القدر فمالذي استفده منه أو بالأحرى ماذا علمك هذا الحبيب؟

أسوء عادات علمني أخرج من بيتي في الليلة آلاف المرات
و أجرب طب العطارين و أطرق باب العرافات
علمني أن أخرج من بيتي لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجها في الأمطار و في أضواء السيارات
و أطارد ثوبا في أثواب المجهولات
و أطارد طيفا حتى..حتى في أوراق الإعلانات
علمني كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثا عن شَعر غجري تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه ٍ..عن صوتٍ.. هو كل الأوجه و الأصواتْ .

******************
_ حسنا ألا تستطيع تذكر آخر حديث حدثتك محبوبتك به ؟

حبيبي !
أخاف اعتيادََ المرايا عليكْ
و عطري وزينة وجهي عليكْ
أخافُ اهتمامي بشكل يديكْ
أخاف اعتياد شفاهي مع السنواتِ, على شفتيكْ
أخاف أموتُ
أخافُ أذوب كقطعة شمعٍ على ساعديكْ
فكيف ستنسى الحرير؟
و تنسى..صلاةَ الحرير على ركبتيكْ ؟

******************
_ بعد كل هذه التجاذبات المميتة ماذا تقول لحبيبتك ؟ وكيف ستكون كلمات الشكر لها ؟

شكرا لشَعرك شاغل الدنيا وسارق كل غابات النخيل
شكرا لكل دقيقةٍ سمحت بها عيناك في العمر البخيل
شكرا لساعات التهور، والتحدي، واقتطاف المستحيل
شكرا على سنوات حبك كلها
بخريفها، وشتائها وبغيمها، وبصحوها، وتناقضات سمائها..
شكرا على زمن البكا ومواسم السهر الطويل
شكرا على الحزن الجميل
شكرا على الحزن الجميل

*******************
_ سنتحول من المحبوبة الى الأم تستطيع أن تتحدث مع أمك فماذا تقول لها ؟

صباحُ الخيرِ يا حلوه
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية


*******************
_ وماذا عن ابنك توفيق ألا تشتاق اليه رحمه الله ؟

مكسّرة كجفون أبيك هي الكلمات
ومقصوصة كجناح أبيك هي المفردات
فكيف يغني المغني
وقد ملأ الدمع كل الدواه
وماذا سأكتب يا بني؟
وموتك ألغى جميع اللغات

*******************
_ تحدثت عن الأم والولد فجاء دور الزوجة الآن ,, حدثنا عن بلقيس ..

بلقيسُ ... كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيسُ .. كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي .. ترافقُها طواويسٌ
وتتبعُها قبائلْ

*******************
_ دعنا ننتقل من جمال الارض الى جمال السماء الا يعجبك جمال القمر اذا تشكل بشكل هلال
هل تريد ان ترسل له كلمة منك تجبر بخاطره ؟

" يا هلالْ.. أيُّها النبع الذي يُمطر ماسْ
و حشيشياً..و نعاسْ
أيها الشيء الرخاميُّ المعلقْ أيها الشيءُ الذي ليس يصدَّق".
دمتَ للشرق..لنا عنقود ماسْ
للملايين التي عطَّلت فيها الحواسْ .

*******************
_ هذا إذا كان هلالا فماذا سيحدث لو يولد في الشرق قمر كامل ؟

عندما يولدُ في الشرق القمرْ..
السطوحُ البيضُ تغفو تحت أكداس الزَهَرْ
يترك الناسُ الحوانيت و يمضون زُمَرْ لملاقاةِ القَمَرْ..
يحملون الخبزَ.. و الحاكي..إلى رأس الجبالْ و معدات الخدَرْ
و يبيعونَ..و يشرونَ..خيالْ و صُوَرْ..
و يموتونَ إذا عاش القمر..


********************
_ وماذا اذا مات هذا القمر ؟

سأكتفي بدمعتي وحزني
فالصمتُ كبرياءُ ...والحزنُ كبرياءُ

********************
_متى تحس برغبة جامحة للبكاء اذا افترضنا بان القمر لم يمت ؟

إذا أتى الشتاء
وانقطعت عندلة العنادل
وأصبحت كل العصافير بلا منازلِ
يبتدئ النزيف في قلبي .. وفي أناملي
كأنما الأمطار في السماء تهطل في داخلي
عندئذ .. يغمرني شوق طفولي إلى البكاء

*********************
_ مادمنا نتكلم عن الحزن ,نزار كل العالم صف ضدنا فلاندري نحن مع من وضد من
في خضم هذه الامور نريد أن نعرف أنت مع من ؟

أنا مع الإرهاب بكل ما املك من شعر ومن نثر ومن أنياب
ما دام هذا العالم الجديـــد !! بيـن يدي قصـّاب
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد قد صنفنا من فئة الذئاب !!

********************

_ قد زرت اسبانيا وعاصمتها مدريد قبل زمن هل لك ان تنقل لنا الصورة هناك ؟

لم يبقَ في إسبانيه منّا ومن عصورنا الثمانيه
غيرُ الذي يبقى من الخمرِ، بجوف الآنيه
وأعينٍ كبيرةٍ.. كبيرةٍ ما زال في سوادها ينامُ ليلُ الباديه..

*********************

_ كلنا يعرف مادار بينك وبين الفتاة الاسبانية التي رافقتك بتلك الرحلة ولكن نريد منك وصفا اكثر عن هذا اللقاء . ماذا قالت لك وماذا فعلت ؟

قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا
فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً
ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت
أن الـذين عـنتـهمُ أجـدادي
عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها
رجلاً يسمـى "طـارق بن زياد"


*********************
_ نزار أنت كما نحن قرأنا عن صلح العرب مع اسرائيل والكل كان فرحا به ... نريد أن نعرف رأيك بهذا الصلح .

بعدَ خمسينَ سَنَةْ
نجلس الآنَ, على الأرضِ الخَرَابْ
ما لنا مأوى كآلافِ الكلاب
بعدَ خمسينَ سنةْ
ما وجدْنا وطناً نسكُنُه إلا السرابْ
ليس صُلحاً, ذلكَ الصلحُ الذي أُدخِلَ كالخنجر فينا
إنه فِعلُ إغتصابْ!!..

*********************

_ آآه يانزار , قد ممللنا الحزن فمتى يبتسم أطفالنا ويرجع الزمن الجميل لنا ؟

غداً.. غداً.. سيزهر الليمون
وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون
وتضحكُ العيون
وترجعُ الحمائمُ المهاجرة
إلى السقوفِ الطاهره
ويرجعُ الأطفالُ يلعبون
ويلتقي الآباءُ والبنون .