" تقع قلعة جعبر في منطقة الجزيرة السورية على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وتبعد 15 كيلومتراً عن السد و 50 كيلومتراً عن مدينة الرقة، وتطل على بحيرة الأسد التي تشكلت عام 1975م " .
" تتربع القلعة فوق هضبة كلسية هشة. ويصل ارتفاع قمتها إلى 347 متراً فوق سطح البحر. لهذه القلعة شكل متطاول يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب 320 متراً، ومن الشرق إلى الغرب 170 متراً، ويحيط بها سوران ضخمان أحدهما داخلي والآخر خارجي ولا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار تشكل ممراً بين السورين، ويضمان عدداً كبيراً من الأبراج الدفاعية يزيد عن خمسة وثلاثين برجاً، بعضها مربع وآخر نصف مسدس ونصف مثمن وهناك نصف الدائري" .
" تقع بوابة القلعة في الجهة الغربية، وهي مبنية بالآجر مثل بقية بناء القلعة، وتفضي إلى ممر صغير يؤدي إلى باحة تنتهي إلى برج ضخم يسمى حالياً برج عليا، ثم ينعطف الزائر نحو اليسار ليشاهد نفقاً محفوراً في الصخر يؤدي إلى سطح القلعة مدخله مبني بالحجارة؛ وكان هذا النفق البالغ طوله نحو 50 متراً مكسواً بالآجر وقد زال معظم هذه الكسوة الآن إلا بقايا قليلة " .
" أنشئ في وسط القلعة مسجد جامع لا تزال مئذنته شامخة في أعلى نقطة مطلة على كل ما يحيط بها، كما أنشئت مبانٍ في الزاوية الجنوبية الغربية غاية في الأهمية لعلها كانت بيوت أصحاب القلعة وأمرائها. وكانت هذه القلعة تبعد عن نهر الفرات حوالي أربعة كيلومترات، وبعد أن تم بناء السد عام 1974 أحاطت بها المياه من جميع جوانبها فأضحت كأنها جزيرة صغيرة وسط البحيرة المترامية الأطراف " .
" تنسب القلعة إلى جعبر بن سابق القشيري الملقب سابق الدين، والذي يرقى للقرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) ولايعرف عنه شيء سوى أن أولاده كانوا من قطاع الطرق " .
" كما يذكر البعض مثل «ابن خلكان» أن هذه القلعة كانت تعرف قبل نسبتها إلى جعبر بالدوسرية نسبة إلى دوسر غلام النعمان بن منذر وأن تاريخها يرجع إلى ما قبل الإسلام " .
" إلا أن التاريخ الواضح لهذه القلعة يبدأ من استيلاء السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان عليها سنة 479 هـ/ 1086م، وهو في طريقه من أصفهان إلى حلب للاستيلاء عليها، حيث حاصر القلعة يوماً وليلة ثم فتحها وقتل من بها من بني قشير، وبعد استيلائه على حلب، أقطع القلعة إلى سالم بن مالك بن بدران الذي استسلم له في قلعة حلب، ومنحه معها الرقة وكثيراً من ضياعها " .
" وظلت جعبر بيده ويد أولاده من بعده حتى أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي عام 564هـ/1168م. وعندما قامت الدولة الأيوبية دخلت جعبر في سلطتها وأهم أمرائها الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه الذي ملكها قرابة اثنين وأربعين عاماً " .
" في عام 658هـ/1260م دمر المغول القلعة عندما عبر هولاكو نهر الفرات قاصداً حلب. وظلت قلعة جعبر بعد ذلك خراباً حتى عصر السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون، حيث وصلها الأمير سلف الدين أبو بكر الباشري مبعوثاً من الأمير تنكز حاكم الشام مصطحباً معه المعماريين والصناع وشرع بعمارتها وكان ذلك عام 735هـ/1334م " .
" بعد ذلك أخذت مكانة القلعة تضعف تدريجياً حتى عفا عليها الزمن في العصر العثماني وأصبحت مرتعاً لأبناء القبائل وماشيتهم " .
" ونظراً للأهمية التاريخية والأثرية لهذه القلعة، فقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بعمليات تنقيب واسعة فيها، حيث تم التنقيب في منطقة الجامع وما حولها، وفي المباني الجنوبية الغربية، والمباني الواقعة شمال الجامع، وتبين أن أحدها مكون من باحة في الوسط، يتوسطها صهريج ماء محفور في الصخر، وغرف كثيرة ومبان وبئر ماء وأوان فخارية مزخرفة " .
" كما عثر على عدد من المدافن المحفورة في الصخر في السفح الغربي للقلعة تعود إلى العصر البيزنطي، أهمها مدفن واسع يتألف من فناء مستطيل منحوت فيه تسعة إيوانات يغطي كل منها قبواً اسطواني الشكل، وتوجد إشارات صليب منحوتة في واجهة الإيوانات أو داخلها " .
" وقد قامت المديرية أيضاً بأعمال ترميم كثيرة سواء في الأسوار أو الأبراج، وتم تحويل برج عليا إلى متحف يضم مكتشفات القلعة ومعظم مكتشفات منطقة غمر سد الفرات، وأهم من ذلك بناء كسوة للسفوح الغربية للهضبة بقميص إسمنتي لحمايتها من تأثير أمواج البحيرة في هذه الجهة " .